الخميس، 26 أغسطس 2010

خلق الكون ، صدفة ، أم عمليات حكيمة من خالق حكيم عليم ؟!



خلق الكون ، صدفة ، أم عمليات حكيمة من خالق حكيم عليم ؟!


إن معارضي الدين والعلمانيين الوجوديين، يرون في اعتقادهم أن هذا الكون وما يضمه من أنظمة عجيبة، والحكمة غير العادية، والروح التي تسري فيه، كل ذلك جاء نتيجة (للصدفة المحضة)، واستمع إلى قول هكسلي: لو جلست ستة من القردة على آلة كاتبة، وظلت تضرب على حروفها لملايين السنين، فلا نستبعد أن نجد في بعض الأوراق الأخيرة التي كتبوها قصيدة من قصائد شكسبير!! فكذلك كان الكون، الموجود الآن، نتيجة لعمليات عمياء، ظلت تدور في المادة لبلايين السنين حتى وصلت إلى ما نحن عليه الآن!!

إن أي كلام من هذا القبيل "لغو مثير" بكل ما تحويه هذه الكلمة من معان، فإن جميع علومنا تجهل إلى يوم الناس هذا أية صدفة أنتجت واقعًا عظيمًا ذا روح عجيبة في روعة الكون ودقته، علاوة على ضخامته!

ونحن نعرف بعض الصدف، وما ينشأ عنها من آثار، فعندما تهب الرياح تصل حبوب اللقاح من وردة حمراء إلى وردة بيضاء، فتأتي بوردة صفراء، هذه صدفة لا تفسر قضيتنا إلا تفسيرًا استثنائيًا، فإن وجود الوردة في الأرض بهذا التسلسل ثم ارتباطها المدهش مع نظام الكون، لا يمكن تفسيره بهبة رياح صدفة، إنها تأتي بوردة صفراء ولكنها لم تأتِ بالوردة نفسها، إن الحقيقة الجزئية الاستثنائية التي توجد في مصطلح (قانون الصدفة) باطلة كل البطلان، إذا ما أردنا تفسير الكون بها.

يقول البروفيسور أيدوين كون كلين من كتاب The Evidence of GOD: "إن القول بأن الحياة وجدت نتيجة "حادث اتفاقي" شبيه في مغزاه بأن نتوقع إعداد معجم ضخم، نتيجة انفجار حدث صدفة في مطبعة!"، "إن قانون (نظرية) الصدفة أو الاحتمال ليست افتراضًا، وإنما هي نظرية رياضية عليا، وهي تطلق على الأمور التي لا تتوافر في بحثها معلومات قطعية، وهي تتضمن قوانين صارمة للتمييز بين الحق والباطل وللتدقيق في إمكانية حدوث حادث عن طريق الصدفة".

ولو افترضنا أن المادة وجدت نفسها في كون، وافترضنا أيضًا أن تجمعها وتفاعلها كان من تلقاء نفسها (ولست أجد أساسًا لأقيم عليه هذه الافتراضات)، ففي تلك الحالة أيضًا لن نظفر بتفسير الكون، فإن "صدفة أخرى تحول دون طريقنا، فلسوء الحظ فإن الرياضيات التي تعطينا نظرية الصدفة الثمينة، هي نفسها التي تنفي أي إمكان رياضي في وجود الكون الحالي، بفعل قانون الصدفة، لقد استطاع العلم الكف عن عمر الكون وضخامة حجمه، والعمر والحجم اللذان كشف عنهما العلم الحديث غير كافيين في أي حال من الأحوال، لتسوغ إيجاد هذا الكون عن طريق قانون الصدفة، ويمكن أن نضرب لك أخي القارئ مثال حتى نفهم شيئًا عن قانون الصدفةن، "لو تناولت عشر قطع معدنية مثل ماركات المحلات وكتبت عليها الأعداد من 1 إلى 10، ثم وضعتها في جيبك وخلطها جيدًا، ثم حاول أن تخرجها من الواحد إلى عاشر بالترتيب العددي بحيث تلقي كل درهم في جيبك بعد تناوله مرة أخرى (مع الإحلال)، فإمكانية أن تتناول القطعة المكتوبة عليها (2) في المحاولة الأولى هو 1/10 واحد على عشرة، وإمكانية أن تتناول القطعتين ( 1 ، 2 ) بالترتيب =



وإمكانية أن تخرج القطع ( 1،2،3،4 ) بالترتيب هو واحد من عشر آلاف، حتى إن إمكانية أن تنجح في تناول القطع من ( 1 إلى عشرة ) بالترتيب هي 1 على 1000000000 (واحد في عشرة بلايين من المحاولات!!

إن الهدف من ضرب هذا المثال وإثارة هذه المسألة، ليس إلا أن نوضح كيفتتعقد "الوقائع" بنسبة كبيرة جدًا في مقابل "الصدفة" ولنتأمل الآن في أمر هذا الكون، فلو كان هذا بالصدفة والاتفاق، كم من الزمن استغرق تكوينه بناء على قانون الصدفة؟ إن الأجسام الحية تتركب من "خلايا حية" وهذه الخلية مركب صغير جدًا ومعقد غاية التعقيد، وهي تدرس تحت علم خاص يسمى علم الخلايا، ومن الأجزاء التي تحتوي عليها: البروتين وهو مركب كيماوي من خمسة عناصر هي الكربون، الهيدروجين، النيتروجين، الأكسجين والكبريت، ويشمل الجزئ البروتيني الواحد (40000 من ذرات هذه العناصر) وفي الكون الذي نعرفه أكثر من مائة عنصر كيميائي وكلها منتشرة في أرجائه، فأية نسبة في تركيب هذه العناصر يمكن أن تكون في صالح "فانون الصدفة"؟ أيمكن أن تتركب خمسة عناصر من بين هذا العدد الكبير لإيجاد الجزئ البروتيني بصدفة الاحتمالات؟ ذلك القدر الهائل من المادة الذي سنحتاجه، لنتحدث فيه الحركة اللازمة على الدوام، كما نستطيع أن نتصور شيئًا عن المدة السحيقة التي سوف تستغرقها هذه العملية!!

لقد حاول رياضي سويسري شهير، هو الأستاذ تشارلز بوجين جواي أن يستخرج هذه المدة عن طريق الرياضيات، فانتهى في أبحاثه إلى أن الإمكان المحض في وقوع الحادث الاتفاقي، الذي من شأنه أن يؤدي إلى خلق الكون إذا ما توافرت المادة هو (1 على 10 أس160) أي هو واحد من 10 في 10 مائة وستين مرة! وبعبارة أخرى: نضيف مائة وستين صفرًا على جانب العشرة! وهو عدد هائل لا يمكن وصفه في اللغة وليس له اسم معروف، وإن إمكانية جدثو الجزئ البروتيني عن صدفة يتطلب مادة يزيد مقدارها بليون مرة عن المادة الموجودة الآن في سائر الكون، حتى يمكن تحريكها وضخها وإجراء العمليات الاحتمالية لهذا العدد الهائل من المحاولات، وأما المدة التي يمكن فيها ظهور نتيجة ناجحة لهذه العاملة فهي أكثر من (10 أس243 سنة) أي حوالي مائتان وأربعون صفرًا أمام العشرة من السنين!!

إن جزئ البروتين يتكون من سلاسل طويلة من الأحماض الأمينية، وأخطر ما في هذه العملية هو الطريقة التي تختلط بها هذه السلاسل بعضها مع بعض، فإنها لو اجتمعت في صورة غير صحيحة، لأصبحت سمًا قتلاً، بدلاً أن تصبح سببًا لإيجاد الحياة.

لقد توصل البروفيسور ج. ب. ليتز، B Leathers . Gإلى أنه يمكن تجميع هذه السلاسل فيما يقرب من (4810 صورة وطريقة) وهو يقول: إنه من المستحيل تمامًا أن تجتمع هذه السلاسل بمحض الصدفة في صورة مخصوصة من هذ هالصور التي لا حصر لها، حتى يوجد الجزئ البروتيني الذي يحتوي 40000 من أحزاء العناصر الخمسة التي سبق ذكرها.

ولابد أن يكون واضحًا للقارئ الكريم أن القول بالإمكان في قانون الصدفة الرياضي لا يعني أنه لا بد من وقوع الحادث الذي ننتظره، بعد تمام العمليات السابق ذكرها، في تلك المدة السحيقة، وإنما معناه أن حدوثه أثناء تلك المدة محتمل، وليس بالضروري فمن الممكن على الجانب الآخر من المسألة ألا يحدث شيء ما بعد تسلسل العملية إلى الأبد!

الجزئ البروتيني ذو وجود كيميائي لا يتمتع بالحياة إلا عندما يصبح جزءًا من الخلية، فهنا تبدأ الحياة، وهذا الواقع يطرح أهم سؤال في بحثنا في هذا الموضوع وهو: من أين تأتي الحرارة عندما يندمج الجزئ البروتيني بالخلية؟ ولا جواب عن هذا السؤال في أسفار وعلوم المعارضين الملحدين!

إن من الواضح الجلي أن التفسير الذي يزعمه هؤلاء المعارضون، مستترين وراء قانون الصدفة الرياضي، لا ينطبق على الخلية نفسها، وإنما على جزء صغير منها، هو الجزئ البروتيني وهو ذرة صغيرة جدًا لا يرى بالعين المجردة بل يرى بأعقد وأكبر المكبرات للأشياء الدقيقة، بينما نعيش وفي جسد كل واحد منا، ما يربو على أكثر من مئات البلايين من هذه الخلايا الحية!

لقد أعد العالم الفرنسي الكونت دي نواي Conte de Nouy بحثًا وافيًا حول هذا الموضوع، وخلاصة البحث: أن مقادير (الوقت، وكمية المادة، والفضاء اللانهائي) التي يتطلبها حدوث مثل هذا الإمكان في قانون الصدفة هي أكثر بكثير من المادة والفضاء الموجودين الآن، وأكثر من الوقت الذي استغرقه نمو الحياة على ظهر الأرض!

وهو يرى أن حجم هذه المقادير التي سنحتاج إليها في عمليتنا هذه، لا يمكن تخيله أو تخطيطه في حدود العقل الذي يتمتع به الإنسان المعاصر، فلأجل وقوع حادث على وجه الصدفة من النوع الذي ندعيه (تكوين جزئ البروتين أو الخلية الحية)، سوف نحتاج كونًا يسير الضوء في دائرته (10 أس 82 سنة ضوئية) أي أننا نضع أمام العشر 82 صفرًا من السنين الضوئية!

وهذا الحجم أكبر بكثير جدًا من حجم الضوء الموجود فعلاً في كوننا الحالي، فإن ضوء أبعد مجحموعة من النجوم في الكون يصل إلينا في بضعة ملايين من السنين الضوئية فقط وبناء على هذا، فإن فكرة آينشتين عن استاع الكون، لا تكفي أبدًا لهذه العملية المفترضة!

وأما فيما يتعلق بهذه العملية المفترضة نفسها، فإننا سوف نحرك المادة المفترضة في الكون المفترض، بسرعة خمسمائة تريليون حركة في الثانية الواحدة.

ولمدة (10 أس243 بليون سنة) أي (243 صفرًا أمام عشرة بلايين من السنين) حتى يتسنى لنا حدوث إمكانية إيجاد جزئ بروتيني يمنح الحياة!

ويقول (دي نواي) في هذا الصدد من كتاب Human Destiny: "لابد ألا ننسى أن الأرض لم توجد إلا منذ بليونين من السنين وأن الحياة في أية صورة من الصور لم توجد إلا قبل بليون سنة، بعدما بردت الأرض"

ولنتأمل الآن بعدما تبين لنا أن المادة العادية غير ذات الروح تحتاج إلى بلايين البلايين من السنين، حتى يتسنى مجرد إمكان لحدوث (جزئ بروتيني) فيها بالصدفة! فكيف إذًا جاءت في هذه المدة القصيرة بهذه الملايين من أنواع الحيوانات، وأكثر من 2000000 نوع من النباتات؟ وكيف انتشرت هذه الكمية الهائلة على سطح الأرض في كل مكان؟ ثم كيف جاء من خلال هذه الأنواع الحيوانية ذلك المخلوق الأعلى الذي نسميه الإنسان؟!

ولا أدري كيف نجرؤ على مثل هذه الاعتقادات من نظرية النشوء والارتقاء لداروين وندرسها لأبنائنا في المناهج الدراسية؟!

في حين أننا نعرف جيدًا أن نظرية النشوء والارتقاء تقوم على أساس تغيرات صدفية محضة، وأما هذه التغيرات فقد حسبها الرياضي باتو patio في كتاب The Evidence of GOD: "إن اكتمال تغير جديد في جنس ما، قد يستغرق مليونًا من الأجيال"

فلنفكر في أمر الكلب الذي يزعمون أنه جد الحصان الأأعلى، كم من المدة على حد قول الرياضي باتو سوف يستغرقها الكلب حتى يصبح حصانًا؟

وما أصح ما قاله عالم الأعضاء الأمريكي مارلين ب. كريدر: "إن الإمكان الرياضي في توفير العلل اللازمة للخلق عن طريق الصدفة في نسبها الصحيحة هو ضرب من الخيال اللا معقول، وهو أقرب من لاشيء."

لقد أطلت في هذا البحث حتى نتبين مدى سخافة فكرة الخلق بالصدفة وبطلانه وكذلك بطلان نظرية النشوء والارتقاء، ولست في الحق أشك أنه يستحيل وجود الجزئ البروتيني والذرة عن طريق الصدفة، كما لا يمكن أن يكون عقلك هذا الذي يتأمل في أسرار الكون وخفاياه من ثمار خلق الصدفة، مهما بالغنا في افتراضاتنا عن المدة الطويلة التي استغرقتها عملية المادة في الكون!

ونظرية الخلق هذه ليست مستحيلة فقط في ضوء قانون الصدفة الرياضي فحسب، وإنما هي لا تتمتع بأي وزن منطقي في نفس الوقت.

ولنختم هذا البحث بقول عالم الطبيعة الأمريكي جورج إيرل ديفيس: "لو كان يمكن للكون أن يخلق نفسه، فإن معى ذلك أنه يتمتع بأوصاف الخالق، وفي هذه الحالة سنضطر أن نؤمن بأن الكون هو الإله، وهكذا ننتهي إلى التسليم بوجود الإله لكن إلهنا هذا سوف يكون عجيبًا، إلها غيبيًا وماديًا في آن واحد! إنني أفضل أن أؤمن بذلك الإله الذي خلق العالم المادي وهو ليس بجزء من هذا الكون، بل هو حاكمه ومدبره ومديره، بدلاً من أن أتبنى مثل هذه الخزعبلات."

وفي نهاية المطاف أسوق إليك أخي القارئ العزيز قول الله تعالى:

"مَا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا"

فسبحان الله ولا حول ولا قوة إلا بالله الخالق البارئ المصور الذي لم يشهد أحد من بني الإنسان بكيفية خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم ..



اسم الكتاب: إشارات قرآنية للعلوم الرياضية والإعجاز الحسابي. من الصفحة 155 حتى 161.
تأليف: عبد الباسط محمود بخيت
مراجعة وتقديم: د. زغلول النجار
الناشر: القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب.

هناك تعليق واحد:

  1. wonderful articl, i need some time to read it
    Thank you it will help me a lot

    ردحذف